سم الله وأنتـا داخل..وخش برجلك اليمين

الجمعة، يناير 25، 2013

ذكريات .. مع جدتـي


هذه التدوينة من ركام ذكرياتي مع جدتي , كتبتها كما هي بلا ترتيب او مراجعات لغوية او فنية وهي تدوينة عائلية بحتـة لا تهمك ولن تفيدك في شئ  , انها فقط لمن يعرفون الحاجة إكرام التابعي الحطيبي.

كعادته .. أيقظنـي والدي فجر يوم السبت 22 ديسمبر لكي أستعد للسفر .. وعلى الرغم من أنه يوم الاستفتاء على دستور مصر 2012 إلا أنني لم أنو المشاركة بصوتي السياسي في هذا الإستفتاء وقررت السفر.
سافرت وقبل تمام التاسعـة اتصل بي والدي من هاتف أختى الصغيرة, ولا أنكر هذا القلق الذي اجتاحني قبل أن اجيب على الهاتف فلم يكن من العادة ان تتصل بي أختى الصغيرة في هذا الوقت.
أجبت على الهاتف فوجدت والدي هو المتحدث , فزاد قلقي , خصوصاً مع تلك النبرة التي لا تدل على أن المحادثة عادية أو للإطمئنان على وصولي بالسلامـة أو شئ من هذا القبيل.
وكان الأمر سريعاً , أبلغني بوفاة جدتي .. وعلى الرغـم من أني هيأت نفسي كثيراً لسماع هذا الخبر إلا أن الأرض دارت بي وقد اعتصرت قلبي يد باردة وقفزت الدموع من عيناي ... وقد كنت عند الباب الرئيسي لمقر عملي ولم تمض عشر دقائق حتـى كنت في الطريق عائداً لمدينة بورسعيد كي ألحق بالجنازة.
استغرق الطريق ثلاث ساعات ونصف الساعة قضيت معظمها نائماً .. فربما أن الحزن أرهقني وأمتص كل طاقتي أو أنه عناء سفر 7 ساعات - ذهابا وعودة - تكاد تكون متواصلة.لا أدري ! فكنت أصحو من النوم من الحين للآخر فأتصل بأخـتي أو خالي لأعرف الى أين وصلت الأمور متمنياً أن أصل الى المقابر قبل أن تصل الجنازة , الى أن وصلت في تمام الواحدة إلا عشر دقائق ظهرا .. وما هي إلا دقائق وقد وصلت الجنازة.

توقفت السيارة وقام مرافقي النعش ينزلونه .. وبين ذلك و ذاك عشت مشهـداً مهيبا يملؤه الحزن لفراق هذه الإنسانـة 

وكنت من أوائل من تشرفوا بحملها رحمها الله الى أن تسلم خالي مكاني لأولويته مني في حملها واتصلت بخالي بأمريكا لأعرفه اننا وصلنا المقابر ليدعو لها - رحمها الله - كما طلب منـي .

لحظة الدفن .. لم أعد أشعر بشئ .. لا شئ على الإطلاق , وقفت انتظر كباقي الحاضرين وانا لا أشعر ,, لا أفكر ,, كأنني في عالم آخر ,, فقط أقف على قدماي ,, الى أن خرج خالي من المقبرة بعد انتهاء الدفن فبدأت أدعـو بما جاء ببالي من دعاء للميت.

ذهبت الى البيت .. وكنت أتمنـى أن ارتاح قليلا ولكن هيهات فما لبثت أن عاودتني الدموع فقمت الى الأنترنت اشتت به تفكيري عما أنا فيه.
وقبل أذان المغرب توضأت وذهبت الى بيتها حيث تجمع أخوالي وخالاتي وصلينا المغرب وجلسنا نتقبل العزاء
وهنا مر أمامي شريط الذكريات جعل الدموع تتسابق الهروب من عيني 

تذكرت ونحن صغار أنا وأبناء أخوالي وخالاتي "لما نعمل دوشة" كانت تقولنا .. اسكتوا ومتعملوش دوشة وإلا "الكلكوش" حيجي ياكلكوا .. وعلى الرغـم اننا كنا لم نر هذا "الكلكوش" في حياتنا  ولم نسمع منه إلا منها وكان بعضنا لا يخافه أو يؤمن بوجوده أصلاً إلا اننا كنا جميعاً نستكين تماما عندما يأتي ذكره تنفيذاً لرغبتها في أن نكف عما نعمل .. والعجيب أن والدتـي لم تكن تحدث نفس التأثيرعندما تذكر "الكلكوش" .. فكانت تخوفنا به "لما نعمل دوشة" ولكننا كنا نستمر في "عمل الدوشة" بل كنا نزيد! ويالها من أيام !

تذكرت ملامحها ونظرة الإحباط التي كانت تعلو وجهها عندما تعرف أني اشتريت احتياجات من محلات غير التي أوصتني بالشراء منها ,, فقد كنت غالبا أشفق على نفسي من بعد هذه المحلات واشترى من محلات أخرى قريبة.

تذكرت تلك المرة التي كنت سأسقط عليها من فوق السلم وانا أحمل صندوق الزجاجات الغازية ولا أعلم حتـى الآن كيف لم أسقط !!

كنت اتذكر ملامحها عندما كانت تضبطني متلبساً في أو أثناء الخروج من غرفة جدي رحمة الله عليه .. فقد كانت أهم غرفة في بيت جدي وجدتي لأحتواءها على كل أوراق العائلة اما انا فكنت اعتبرها أهم غرفة لاحتواءها على علب البسكوت والحلويات.

كنت أتذكر تلك الأيام اللي "لما أكل البيت ميكونش عاجبني اروح اتغدى عندها" ... أو اكون على خلاف مع والدي او والدتي اروح اشتكيلها عشان تكلمه أو تكلمها وتوصيهم عليا.

كنت أتذكر كم كنت اتمنـى أن يجتمع عندها كل افراد العائلة كي ازورهم في نفس توقيت زيارتهم لها فأكون قد وصلت الرحم  وعرفت اخبارهم بزيارة واحدة وزرت جدتي أيضاً.

ثم تذكرت كيف انقلب الحال فأصبحت انتهز الأوقات التي تكون فيها وحيدة لأزورها وأدعها تطلق العنان لذاكرتها وأستمع الى ذكرياتها من قصص الزمن الجميل .. ذلك الزمن الذي ذهب ولن يعـود.

وأتذكر أنها كانت تنتهز وجودي أيضاً في تلك الأوقات أيضاً لأقرأ لها ورقة ذات خط صغير .. أو أطلب لها أرقام التليفون.

كنت أتذكر كم كنت أتشوق من الأجازة لسماع قصص ومواقف أرض القصاصين من الأجازة للأخرى تلك القصص التي لا أمَّـلُ سماعها مهما تكررت على مسامعي بنفس تفاصيلها البسيطـة الجميلة .

كانت تروي لي ان والدها التابعي اشترى أرض في القصاصيين وكيف أن الفلاحين كانوا لا يرضوا أن يدخل غريب عليهم البلد وكانت تروي لي أساليبهم لتنفير من هم من خارج البلد وكيف كانت مع أخواتها يحضرون الأكل لزوم مراقبة "الرجالة" للقناة الي بتسقي الأرض من الفلاحين "اللي بيردموها كل يوم بالليل عشان الزرع ميوصلوش ميه" وازاي كانت بتعمل العيش في الفرن البلدي وتوصف لي طعمه وريحته وحلاوته وكيف انتهى أمر أرض القصاصين بـ"وضع يد" الفلاحين عليها وبيعها لهم برخص التراب لإنقاذ ما يمكن انقاذه .. وازاي اتجوزت جدي رحمة الله عليه وأين..  وظروف ميلاد أخوالي وخالاتـي والظروف السياسية والإجتماعية والاقتصادية لميلاد كل منهم.

أتذكر أني لم أكن أتقبل عيدية العيد من أي شخص على اعتبار أني " كبير" على العيدية , لكنـي كنت انتظرها من جدتي كل عيد.

أتذكر عندما كانت امشي بأصابع يدي على الأرض فأصل الى الكنبة التي كانت تجلس عليها فأمشي على رجل الكنبة الى أن أصل الى يد الكنبة بأصابعي فأقول لها بصوت مسرسع " أزيك يا نينه" فكانت تضحك رحمة الله عليها

أتذكر حين كنت ابسط لها الأحداث السياسية دون التعمق في اي احداث غير مهمة  .. فقط لتكون على متابعة واتصال بما يجري 

أتذكر عندما تتصادف زيارتي لها وهي مُرهقة فتتركني وتنام .. فما ألبث أن أنام أنا أيضاً على السرير المقابل بدوري.

أتذكر أني كنت دايما اجيب لها كمية كبيرة من عصير القصب لما ازورها مع علمي بأن عندها "السكر" وينتهـى الأمر اني اشرب كل عصير القصب اللي جبته لوحدي.

أتذكر أن تليفونها المحمول كان ذو امكانياتي اعلى من تليفوني المحمول ... فكنت اداعبها وأمسك بتليفونها المحمول وأقول لها " انا تليفوني بيكلم النمسا وأمريكا ع الفايبر وانتي تليفونك بيكلم النمسا وأمريكا يا نينه .. تيجي نبدل وأدفع لك فرق" ؟ فكانت تضحك رحمها الله.

أتذكر قسمات وجهها الطيبة والتي افتقدناها جميعاً.

كنت أتذكر كل هذا فأبتسم ابتسامات عريضة .. وأنا في العزاء
فكم كانت طيبـة ! . رحمها الله واسكنها خير جناته الفردوس الأعلى إن شاء الله.